نسبه وإسلامه
رِفَاعَة بن عَبْد المُنْذِر بن زَنْبَر بن زيد بن أمية بن
زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، أبو لبابة الأنصاري
الأوسي، وهو مشهور بكنيته.
وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة
بن عبد المنذر يوم بدر حيث خرج مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى
بَدر فرجع، وأمّر أبا لبابة على المدنية، وضرب له بسهمه مع أصحاب بَدْرٍ.
قال ابن هشام: ردهما من الرَّوْحَاء. قال أبو عمر: قد استخلف رسول الله
صَلَّى الله عليه وسلم أبا لبابة على المدينة أيضًا حين خرج إلى غزوة
السويق.
وشهد مع رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم أُحُدًا وما بعدها من المشاهد، وكانت معه رايةُ بني عمرو بن عوف في غزوة الفتح.
قصة أبو لبابة وبني قريظة
توجه
النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثة آلاف من المسلمين إلى بني قريظة،
وفرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الحصار، فقال لهم زعيمهم كعب بن أسد :
"والله، لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم"، ثم عرض
عليهم ثلاث خصال : إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد صلى الله عليه وسلم في
دينه، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم، وإما أن يقتلوا
ذراريهم ونساءهم بأيديهم، ويخرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالسيوف
يقاتلونه حتى يظفروا بهم أو يُقتلوا عن آخرهم، وإما أن يهجموا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم السبت، لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم
فيه فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث.
لم يبق لبني
قريظة بعد رد هذه الاقتراحات من زعيمهم، إلا أن يستسلموا لرسول الله صلى
الله عليه وسلم، ولكنهم أرادوا أن يتكلموا مع أحد من المسلمين، لعلهم
يعرفون ماذا سيحل بهم إذا استسلموا.
فبعثوا إليه صلى الله عليه وسلم أن
أرسِل إلينا أبا لُبَابة نستشيره، وكان حليفاً لهم، وكانت أمواله وولده في
منطقتهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وجَهَشَ النساء والصبيان يبكون في
وجهه، فَرَقَّ لهم، وقالوا: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟،
قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، يقول: إنه الذبح، ثم علم من فوره أنه خان
الله ورسوله فمضي على وجهه، ولم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
أتى المسجد النبوي بالمدينة، فربط نفسه بسارية المسجد، وحلف ألا يحله إلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبداً.
فلما
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه، قال: أما إنه لو
جاءني لاستغفرت له، أما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى
يتوب الله عليه.
وأقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه
امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع". وقد قال أبو
لبابة: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليَّ مما صنعت.
قالت أم سلمة:
فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السَحَر وهو يضحك، فقلت: مم تضحك يا
رسول الله أضحك الله سنك؟، قال: تيب على أبي لبابة، قالت: قلت: أفلا أبشره
يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت، فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب
عليهن الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فثار
الناس ليطلقوه، فقال: لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده
فلما مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.
كان
أبو لبابة يستطيع أن يخفي ما فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم
يطلع عليه أحد من المسلمين، وأن يستكتم اليهود أمره، ولكنه تذكر رقابة الله
عليه، وعلمه بما يسر ويعلن، وتذكر حق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه،
وهو الذي ائتمنه على ذلك السر، ففزع لهذه الزلة فزعا عظيما، وأقر بذنبه
واعترف به، وبادر إلى الصدق والتوبة فكانت نجاته، إنها صورة تطبيقية لقوله
تعالى:{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }(النساء:17).
وقد
أنزل الله تعالى في أبي لبابة ـ رضي الله عنه ـ قوله تعالى: { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }(الأنفال:27).
ونزل في توبته
قوله تعالى: { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً
صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(التوبة:102).
وعن أبي لبابة قال: "استسقى
رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال أبو لبابة: إن التمر في
المَرْبَد، فقال رسول الله: "اللَّهُمَّ اسْقِنًا"، فقال أبو لبابة: إن
التمر في المَرْبَد وما في السماء سحاب نراه، فقال رسول الله صَلَّى الله
عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اسْقِنًا" في الثالثة "حتى يقوم أبو لبابة عريانًا،
فيسد ثعلب مَرْبَده بإزاره"، قال: فاستهلت السماء فمطرت مطرًا شديدًا،
وصلى بنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأطافت الأنصار بأبي لبابة
يقولون: يا أبا لبابة، إن السماء لن تقلع حتى تقوم عريانًا تسد ثعلب مربدك
بإزارك، كما قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقام أبو لبابة عريانًا
فسد ثعلب مَرْبَده بإزاره، قال: فأقلعت السماء".
وفاته رضي الله عنه
بعد
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انضم إلى جيش الذي كونه خالد بن الوليد
وتوجه إلى حرب الردة باليمامة لمقاتلة مسيلمة ثم إلى العراق والشام وفلسطين
ومصر وحضر فتح دمشق وحرب اليرموك، ثم قدم إلى أفريقية في خلافة عثمان بن
عفان وظل بها إلى أن وافته المنية في عهد الخليفة علي بن أبي طالب عن سن
تناهز 80 سنة في مكان يسمى وادي الغيران بجهة مارث ونقل جثمانه إلى ربوة
أبي لبابة في مدينة قابس.