هو حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن زيد بن أمية بن ضبيعة الأنصاري الأوسي، من
بني عمرو بن عوف، والده أبوعامر الراهب واسمه عمرو، وقيل: عبد عمرو، وكان
والده يُعرف بالراهب في الجاهلية، وكان يذكر البعث ودين الحنيفية، ويسأل عن
ظهور رسول الله، ويستوصف صفته من الأحبار والرهبان، فلما بعث رسول الله
حسده أبو عامر وبَغَى ونافق، وقال له: يا محمدُ أنتَ تخلط الحَنيفيّةَ
بغيرها. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أتَيتُ بها بيضاء نَقِيّةً،
أَبِنْ ما كان يُخبرك الأحبارُ من صِفَتِي؟»، قال: لَستَ بالذي وَصفُوا
لي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «كذبتَ»، فقال: ما كذَبتُ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكاذبُ أماتَهُ الله طريدًا وحيداً»،
فقال: آمين. وسماه الرسول- صلى الله عليه وسلم- أبوعامر الفاسق، ولما هاجر
النبي إلى المدينة فارقها إلى مكة، والتقى فيها بزعماء قريش وراح يحرضها
على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعهد لهم بمساندتهم إذا قدموا إلى
المدينة، وأقام بمكة فلما فُتحت هرب إلى بلاد الروم فمات كافراً غريباً
وحيداً، كما دعا على نفسه. أما أمّه فهي الربابُ بنت مالك بن عَمرو بن عزيز
بن مالك بن عَوف بن عَمرو بن عَوف. وكان حنظلة- رضي الله عنه- من سادات
المسلمين وفضلائهم، أسلم مع قومه الأنصار لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة.
وذات يوم قال حنظلةَ رضي الله عنه للنبي: يا رسولَ الله
أقتُل أبي؟ قال: «لا تقتُلْ أباك». ويروى عن حنظلة رضي الله عنه أنه خطب
لنفسه جميلة بنت عبدالله بن أُبي بن سلول، وشقيقة صاحبه عبدالله رضي الله
عنهما- واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يدخل بها فأذن له، فكانت
ليلة عرسه هي نفس ليلة غزوة أحد، فبعد أن زُفت إليه جميلة، وأفضى حنظلة-
رضي الله عنه- إلى عروسه في أول ليلة، سمع منادي رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وأثناء المعركة رأي حنظلة أبا سفيان زعيم قريش، فضرب عرقوب فرسه
فقطعه، ووقع أبو سفيان إلى الأرض يصيح: يا معشر قريش أنا أبو سفيان بن حرب،
وفيما كان حنظلة رضي الله عنه يهم بأن ينقض عليه ويرديه قتيلاً، كان ابن
شعوب وهو شداد بن الأسود يراقبه فحمل على حنظلة رضي الله عنه وضربه بسيفه
فقتله.
وفي ذلك يقول أبو سفيان معترفاً بفضل ابن شعوب عليه:
ولو شئت نجتني كُميت طمرة
ولم أحمل النعماء لابن شعوب
وينقل
عنه أنه قال معزياً نفسه بمقتل ابنه: " حنظلة بحنظلة " ويعني بحنظلة الأول
غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، وبحنظلة الثاني ابنه حنظلة بن أبي سفيان
الذي قتل يومئذ كافراً.
وبعد انتهاء غزوة أحد ذهب النبي صلى الله
عليه وسلم يتفقّد أحوال الجرحى والشهداء، فرأى كثيراً من خيرة أصحابه قد
فاضت أرواحهم في سبيل الله، فقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر
بدفنهم بدمائهم، ولم يُصَلّ عليهم، ولم يُغَسَّلوا.
ثم قال صلى الله
عليه وسلم لأصحابه: «ما شأن حنظلة؟ إن صاحبكم لتغسله الملائكة، فاسألوا
أهله ما شأنه؟» فسُئلت زوجته عن ذلك، فقالت: سمع صيحة الحرب وهو جنب، فخرج
مسرعاً ولم يتأخر للاغتسال. فلما بلغ كلامها مسمع النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «لذلك غسلته الملائكة، لقد رأيت الملائكة تغسله في صحائف الفضة، بماء
المزن، بين السماء والأرض»،
قال الواقدي: "وكان حنظلة بن أبي عامر
تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فأُدْخِلَت عليه في الليلة التي
في صبحها قتال أحُد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت
عندها فأذن له، فلما صلى بالصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولزمته جميلة فعاد فكان معها، فأجنب منها ثم أراد الخروج، وقد أرسلت قبل
ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد: لِمَ أشهدت
عليه؟ قالت: رأيت كأن السماء فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت، فقلت: هذه
الشهادة، فأشهدت عليه أنه قد دخل بها".
وعن عبد الله بن الزبير رضي
الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن قتْلِ حنظلة بن
أبي عامرٍ بعد أن التقى هو وأبو سفيان بن الحارث حين علاهُ شدّادُ بن
الأسود بالسيف فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن صاحبكُم
تُغَسّله الملائكة، فسألوا صاحبته فقالت: إنه خرج لمّا سمع الهائعة وهو
جنبٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك: غسَّلتْه الملائكة
وعن
أنس رضي الله عنه قال: "افتخر الحيّان من الأنصار: الأوس والخزرج، فقالت
الأوس: مِنَّا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنّا من اهتز له عرش
الرحمن: سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدّبر عاصم بن ثابت بن أبي الأفلج،
ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، وقال الخزرجيون: منا
أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم:
زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل".