أحدث المقالات



نسبه ومولده

هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب الهاشمي القرشي، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، ولد في مكة المكرمة قبل عام الفيل بسنتين، وقد أرضعتهما ثويبة جارية أبي لهب في فترتين متقاربتين.

نشأته

نشأ حمزة رضي الله عنه وتربى بين قومه بني هاشم سادة قريش ومكة معززاً مكرماً، وكان موصوفاً بالشجاعة والقوة والبأس حتى عُرف أنه أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة، وكان يهوى الصيد والقنص وكل أعمال البطولة والفروسية، وقد شهد حرب الفجار مع قومه قريش وحلفائهم.

إسلامه

أسلم حمزة رضي الله عنه في العام السادس من البعثة، وكان سببُ إسلامه أن أبا جهل اعترض النبي صلى الله عليه وسلم عند جبل الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت هناك مولاةٌ لعبد الله بن جدعان التيمي القرشي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم. ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على نادٍ من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعزَّ قريش وأشدَّها شكيمةً، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه، فلما مر بالمولاة، وقد قام الرسولُ محمدٌ فرجع إلى بيته، قالت له: «يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابنَ أخيك من أبي الحكم آنفاً، وجده ههنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمدٌ»، فاحتمل حمزةَ الغضبُ، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، مُعداً لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجةً منكرةً، ثم قال: «أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك علي إن استطعت»، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: «ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت»، فقال حمزة: «وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسولُ الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين»، فقال أبو جهل: «دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً»، وتم حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه الرسولَ محمداً من قوله، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن الرسولَ محمداً قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
ثم رجع حمزة إلى بيته، فأتاه الشيطان فقال: «أنت سيد قريش، اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك، لَلموتُ كان خيراً لك مما صنعت»، فأقبل على حمزة بثُّه فقال: «ما صنعتُ اللهم إن كان رشداً فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعتُ فيه مخرجاً»، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان وتزيينه حتى أصبح، فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا ابن أخي، إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غي شديد؟ فحدثني حديثاً فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني»، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم فذكّره ووعّظه وخوّفه وبشّره، فألقى الله تعالى في نفسه الإيمان بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أشهد أنك الصادقُ، شهادة الصدق، فأظهر يا ابن أخي دينَك، فوالله ما أُحبُّ أنَّ لي ما أظلته السماءُ وأني على ديني الأول».
وقد هاجر حمزة رضي الله عنه إلى المدينة وآخي النبي صلى الله عليه وسلم بين حمزة وزيد بن حارثة رضي الله عنهما.

غزوة بدر

شهد حمزة رضي الله عنه غزوة بدر، وهو الذي ابتدأ قتال المشركين في غزوة بدر، فقد خرج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي القرشي فقال: «أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه»، فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.
كما قتل حمزة شيبة بن ربيعة في هذه المعركة أثناء المبارزة، وكان حمزة يُعلَّم في الحرب بريشة نعامة، وقاتل يوم بدر بين يدي الرسول محمد بسيفين.
وقد جاهد حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأبواء، وذي العشيرة، وبني قينقاع.

غزوة أحد واستشهاده

روي وحشي قصة قتل حمزة رضي الله عنه فقال: كنت غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير: «إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق»، فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلَّما أخطئ بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً، ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال له: «هلم إلي يا ابن مقطعة البظور»، فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغُلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق.
فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف، فمكثت بها، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُسلِموا تعيت علي المذاهب، فقلت: «ألحق بالشأم، أو اليمن، أو ببعض البلاد»، فوالله إني لفي ذلك من همي، إذ قال لي رجل: «ويحك! إنه والله ما يقتل أحداً من الناس دخل في دينه، وتشهَّد شهادتَه»، فلما قال لي ذلك، خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يرعه إلا بي قائماً على رأسه أتشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال: «أوحشي؟»، قلت: «نعم يا رسول الله»، قال: «اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة»، فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي قال: «ويحك! غيب عني وجهك، فلا أرينك»، فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني، حتى قبضه الله، فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف، وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتلت شر الناس.
ولما رأى ما فُعِل بحمزة اشتد حزنه، وبكى بكاءً شديدًا، وانتحب حتى نَشَع من البكاء.
ويقول ابن مسعود: "ما رأينا النبي باكيًا قَطُّ أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب".
وقد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة، وصلى عليه مع كل شهيد، فصلي عليه سبعين مرة.
وقُتِل حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه يوم غزوة أحد في شهر شوال، سنة ثلاث من الهجرة.
دفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش الأسدي في قبر واحد، وكُفّن حمزةُ في نمرة، فكان إذا تُركت على رأسه بدت رجلاه، وإذا غطى بها رجلاه بدا رأسُه، فجُعلت على رأسه، وجُعل على رجليه شيء من الإذخر».
  
عن أنس بن مالك قال: مرَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ أُحُدٍ بحمزةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ ، وقد جُدعَ ومُثِّلَ بِهِ فقالَ: لولا أن تَجزعَ صفيَّةُ لترَكْتُهُ حتَّى يَحشرَهُ اللَّهُ من بُطونِ الطَّيرِ والسِّباع فَكَفَّنَهُ في نَمِرةٍ ، إذا خمَّرَ رأسَهُ بدَت رجلاهُ ، وإذا خمَّرَ رجليهِ بدا رأسُهُ ، فخمَّرَ رأسَهُ ، ولم يُصلِّ على أحدٍ منَ الشُّهداءِ غيرَهُ وقالَ: أَنا شَهيدٌ عليكُم يومَ القيامةِ.
ولما وقف الرسولُ محمدٌ على حمزة قال: «لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا»، ثم قال: «جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله».  
وعن عبد الله بن عمر قال: لمَّا رجَعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أُحُدٍ سمِعَ نساءَ الأنصارِ يَبْكينَ على أزواجِهنَّ، فقال: لكنَّ حَمْزةَ لا بَوَاكي له، فبلَغَ ذلكَ نساءَ الأنصارِ فجِئنَ يَبْكينَ على حَمْزةَ، قال: فانتَبهَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الليلِ، فسمِعَهنَّ وهنَّ يَبْكينَ، فقال: وَيْحَهنَّ، لم يزَلنَ يَبْكينَ بعدُ منذُ الليلةِ، مُروهُنَّ فلْيَرْجِعنَ ولا يَبْكينَ على هالكٍ بعدَ اليومِ.
 
تعليقات
ليست هناك تعليقات




    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -