أحدث المقالات

القضاء على الردة في اليمن والبحرين



الجيش الرابع والقضاء على ردة اليمن

كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم علي اليمن رجل فارسي اسمه باذان وكان هذا الرجل في أول الأمر عاملاً للفرس علي اليمن فلما أسلم أقره النبي علي اليمن كلها وبعد وفاته عين النبي صلى الله عليه وسلم ابنه شهر بن باذان واليًا على صنعاء وما والاها، كما عيَّن ولاة من أهل اليمن وآخرين من أصحابه على الأقاليم المختلفة؛ فكان عمرو بن حزم على نجران، وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين نجران ورفع وزبيد، وعامر بن شهر على همدان، وطاهر بن أبي هالة على عك والأشعريين، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه على مأرب، ويعلى بن أمية على الجَنَد، ومعاذ بن جبل معلِّمًا يتنقَّل في عمالة كلِّ عاملٍ باليمن، واستقرَّ في الجَنَد، كما عهد إليه بمهمَّة القضاء، وقَبْض جميع الصدقات.

بدأت الردة في اليمن قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك عندما ادعا النبوة رجل يسمي ذو الخمار عيهلة بن كعب المعروف بالأسود العنسي من قبيلة عنس وقد اتبعه الكثير من المرتدين ثم قتل الأسود العنسي شهر بن باذان وتزوج امراته وكانت امرأة صالحة وقد تزوجها قهراً، أما معاذ بن جبل فقد استطاع الهرب إلى حضرموت ومن وتبعه بعض المسلمين والذين لم يستطيعوا الهروب كانوا يتعاملون مع العنسي بالتقية.

ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بما حدث أرسل رسالة إلي معاذ بن جبل ليجمع المسلمين حوله ويقاتلوا الأسود العنسي فجمع معاذ المسلمين الذين كانوا معه في حضرموت وتجهز لقتال الأسود.

كان للأسود العنسي ثلاث قادة وهم قيس بن مكشوح وداذويه وفيروز الديلمي وقد علم معاذ أن ثلاثتهم يريدون الأنقلاب على العنسي ليأخذوا منه اليمن فراسلهم معاذ سراً واتفقوا على الدخول في الإسلام ليساعدهم جيش المسلمين في تحقيق هدفهم، وهو القضاء على الأسود وجيشه. وكانت امرأة شهر بن باذان التي تزوجها الأسود العنسيّ قهرًا امرأة صالحة وذات دين، وكانت ابنة عم فيروز الديلمي، فراسلها فيروز الديلمي سرًّا لتعاونهم على قتل الأسود العنسي، فوافقت على ذلك وحددت لهم ليلة، وحددت لهم بابًا لا يقف عليه أحد من الحراس، وتسلَّل القواد الثلاثة إلى قصر الأسود العنسي في الليلة المتفق عليها، وفتحت امرأة الأسود الباب بعد أن سقته الخمر، فدخل عليه فيروز الديلمي، فوجده قد سَكِرَ سُكرًا شديدًا، فخنقه بيده حتى ظن أنه قد مات، ولما دخل عليه القواد الثلاثة وجدوه حيًّا، فتقدم إليه قيس بن مكشوح، فذبحه، وخبَّأ رأسه، ثم خرج على أهل صنعاء في اليوم التالي بعد أن جمعهم ليعلن إسلامه، وإيمانه بمحمد، وأن الأسود العنسيّ كذاب ورمى لهم برأسه، فهرب المرتدون، وانقضَّ عليهم المسلمون يقتلونهم. وجاء الطاهر بن أبي هالة بجيشه، وفيه معاذ بن جبل، ودخل اليمن، وعاد الناس إلى الإسلام مرة أخرى، وأرسل المسلمون رسالة إلى النبي بقتل الأسود العنسي، ووصل البريد إلى المدينة صبيحة وفاة النبي، فرجع البريد إلى اليمن ليخبرهم بوفاة النبي، فلما وصلهم خبر وفاة النبي ارتدُّوا، وكان على رأس المرتدين قيس بن مكشوح، وبمكيدة منه قتل داذويه الأمير الثاني، وهرب فيروز الديلمي، وهرب معاذ بن جبل أيضًا إلى حضرموت عند الطاهر بن أبي هالة، وسيطر قيس بن مكشوح ومعه جيش المرتدين على المنطقة مرة أخرى، وعلم بذلك أبو بكر الصِّدِّيق، فوجَّه إلى اليمن الجيش الرابع، وكان على رأسه المهاجر بن أميَّة.

ولما علم المسلمون في حضرموت خبر هذا الجيش راسلوه وتواعدوا على موعد دخول اليمن، ودخل فيروز الديلمي معهم من داخل صنعاء بجيشه، واجتمعت الجيوش الثلاثة، وقاتلوا قيس بن مكشوح قتالاً شديدًا، وكتب الله النصر للمسلمين فاستسلم قيس بن مكشوح، واستسلم معه عمرو بن معديكرب، وكان من الصحابة إلا أنه ارتدَّ في اليمن، وأرسلهما معاذ بن جبل إلى أبي بكر الصِّدِّيق مع أحد الرسل، وفي الطريق أسلما قبل أن يصلا إلى المدينة، وقَبِل منهما أبو بكر بعد أن عنّفهما بشدة.

وقاتل الطاهر بن أبي هالة عامل أبي بكر على بنو عكّ والأشعريين بمن بقي على إسلامه المرتدين من عك والأشاعرة وهزمهم. أما بُجيلة، فقد أمر أبو بكر جرير بن عبد الله البجلي أن يقاتل من ارتد من قومه، ثم يسير لقتال خثعم، ففعل وتمكّن من ذلك. فيما بقي أهل نجران على عهدهم، وبعثوا وفدًا منهم لتجديد العهد مع أبي بكر.

أما الجيش الخامس بقيادة سويد بن مقرن المتجه إلي تهامة فلم يلق قتالاً بعد أن سيطر المسلمون على اليمن, فقد رجع الناس إلى دين الله.


القضاء على الردة في حضرموت وكندة

كان عمال النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذه المنطقة هم: زياد بن لُبيد عاملاً له على حضرموت، وعُكاشة بن مِحصَن على بني السكاسك والسُكون، والمُهاجر بن أبي أميَّة على كِندة، وكان بنو كِندة قد أجابوا دعوة الأسود العنسي حين تنبَّأ في آخر حياة النبيّ مُحمَّد. وحين بلغ المُهاجر صنعاء، أرسل إلى أبي بكر يُخبره بحالها، فأمره أبو بكر هو وعِكرمة بالتوجه إلى حضرموت. فسار المُهاجر من صنعاء، وسار عِكرمة من أبين، والتقيا في مأرب وعبرا معاً يُريدان حضرموت.

وكان زياد بن لُبيد قد تعامل مع المرتدين في حضرموت، فأغار على بني عمرو بن مُعاوية بمن بقي على إسلامه من رجال بني السُكون، وهزمهم وسبى من نسائهم. مرّ زياد بأسراه على عسكر الأشعث بن قيس وبني الحارث بْن مُعاوية، فاستغاثت نسوة من بني عمرو بن معاوية فثار الأشعث في بني الحارث واستنقذهم، ثم جمع من بني الحارث بن معُاوية وبني عمرو بن مُعاوية، ومن أطاعه من السكاسك لِقتال زياد. حينئذٍ، كتب زياد للمُهاجر يستقدمه، فخلف المُهاجر عِكرمة على قِيادة الجيش، وهبَّ في كتيبةٍ سريعةٍ لِنجدة زياد. والتقى الفريقان واقتتلوا فانهزمت كِندة، وفرّوا إلى حصن من حصونهم، وتجمّعوا فيه، فحاصرهم المسلمين حتي يأس من في الحصن، فخرج الأشعث بن قيس إلى المُسلمين يستأمنهم على نفسه وقومه وأهليهم على أن يفتح لهم باب الحصن، فأجابه المُهاجر إلى ذلك، وأمسك بالأشعث يريد أن يقتله، لولا تدخُّل عِكرمة، ونصيحته بترك أمره إلى أبي بكر. فأوثقوا الأشعث، وأرسلوه إلى المدينة وبذلك قضى المُسلمون على رِدَّة كِندة وحضرموت، وولّى أبو بكر المُهاجر على اليمن، وعُبيدة بن سعد على السكاسك وكِندة، وأقر زياد بن لُبيد على حضرموت. وعندما بلغ الأشعث المدينة، عاتبه أبوبكر وجري بينهم حوار وقد عفا عنه الصديق.


القضاء على الردة في البحرين

دخل أهل البحرين الإسلام بعد عودة وفد بني عبد القيس من عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان معهم العلاء بن الحضرمي ليفقهم ويعلمهم وكان عامل النبي علي البحرين هو المنذر بن ساوي، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأيام توفي المنذر وارتد أهل البحرين كلهم إلا قرية صغيرة تسمي جواثي ارتد أهله ولكن الجارود بن يعلي اقنعهم بالعودة في الإسلام وقد حاصر المرتدين هذه القرية.

اتَّجه العلاء بن الحضرمي إلى قبائل عبد القيس الموجودة في البحرين، واجتاز بجيشه صحراء موحشة، حتى وصل إلى قبائل عبد القيس فعسكر هناك، قبل معسكر المرتدين في مكان يسمَّى هَجَر، وكانت كل القبائل في تلك المناطق قد ارتدَّتْ عن الإسلام وعلى رأسها قبيلة عبد القيس. أرسل العلاء رسائل إلى القبائل المرتدة، وكانت أول رسالة إلى قبيلة تميم التي عادت إلى الإسلام، وخرج منها ألف مقاتل على رأسهم قيس بن عاصم، وأتاه ثمامة بن أثال في ألفٍ من بني حنيفة، واستطاع الجارود بن يعلى أن يتسلل من قريته جواثى بجيش بعد رسالة وصلته من العلاء بن الحضرمي ليعسكر معه بهجر، ويكسر الحصار المفروض عليه من القبائل المرتدة.

وبدأت المعارك تدور بين جيش المسلمين بقيادة العلاء بن الحضرمي، وبين المرتدين بقيادة النعمان بن المنذر، واستمرت المعارك شهرًا كاملاً, وخندق كل جيش حوله خندقًا، وفي يوم سمع العلاء بن الحضرمي ضجة في معسكر المرتدين، وكانوا سكارى، فجهّز الجيش في الليل، وباغتهم، وقتل فيهم مقتلة عظيمة، لم يبقَ أمام العلاء بن الحضرمي سوى من هرب إلى جزيرة دارين، وكان بينه وبينهم البحر، ولم يكن مع العلاء بن الحضرمي في ذلك الوقت سفن، فركب الجيش البحر ووصلوا إلى دارين دون أن يفقد المسلمون مقاتلاً واحدًا، ورأى الفارُّون المرتدون جموعَ المسلمين تخرج من البحر، فسقط في أيديهم, وأعمل المسلمون فيهم السيفَ, وقتلوا منهم مقتلة عظيمة في دارين، ثم عاد المسلمون منصورين في سفن المرتدين.

-------------------------------------------

* المصادر

- تاريخ الرسل والملوك الطبري

- الانشراح ورفع الضيق في سيرة الصديق

- تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية

- سيرة الخلفاء الراشدين من سير أعلام النبلاء

تعليقات
ليست هناك تعليقات




    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -